يعود اسم خيول فريزيان إلى منطقة فريزلاند في هولندا لكونها المنطقة التي تحدرت منها هذه السلالة. ورغم أن شكل هذه الخيول يوحي أنها تُستخدم في أعمال المزارع والجرّ، إلا أنها رشيقة ومرنة نسبة إلى حجمها. و الخيل الفريزيان هو حصان مميز جداً بلونه اللؤلؤي الأسود والعنق المنحني والشعر الكثيف، وهو تجسيد مذهل للقوة والعظمة.
كانت خيول الفريزيان مطلوبة جداً في العصور الوسطى في أوروبا للاستخدام في الحرب كونها كبيرة الحجم وقوية وبإمكانها أن تحمل فارساً مع درعه. وبعد ذلك أصبحت الحاجة أكثر لجياد تقوم بأعمال ثقيلة من نقل وجر. وقد تعرضت هذه السلالة لخطر الانقراض مرات عديدة، لكن تم استيلاد الكثير منها بعد ذلك ليزول عنها هذا الخطر، حيث يوجد منها أعداد كبيرة اليوم، وأُدخلت في بعض رياضات الفروسية المختلفة.
كيف ولدت سلالة الخيل الفريزيان
رغم أن بعض أنواع الخيول التي تشبه الفرزيان قد ذُكرت في بعض الكتابات في القرن الميلادي الرابع، إلا أن التجسيد الأول لشكل هذا الحصان كان في القرن الحادي عشر برسومات تشبه الخيل الفريزيان إلى حدّ كبير، ويمتطيها فرسان أقوياء مدرعون.

قد يكون التهجين الأول قد حصل عرَضاً خلال الحملات الصليبية على الشرق حيث اختلطت الخيول الفرزيان بالخيول الشرقية، وكذلك في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين نتيجة سيطرة إسبانيا على أجزاء من هولندا، حيث تم تهجين خيول الفريزيان مع الخيول الأندلسية ما أنتج خيولاً أخفّ وزناً وحجماً لكن قوية، وهو ما كان يحتاج إليه الناس لجرّ عربات الخيل. ورغم حقن الدم الإسباني في خيول الفريزيان، إلا أنها حافظت على معظم خصائصها المتعلقة بالشكل، واكتسبت بعض الميزات الجيدة من الخيول الأندلسية. وكادت هذه السلالة أن تنقرض في القرن العشرين بسبب تدني الحاجة إليها في المزارع واستبدالها بالآلات الميكانيكية، وبسبب الحروب، فاختلط نسلها مع سلالات أخرى، لكن بعد ذلك تم العمل على إعادة إنتاج الخيول الفريزيان الأصلية، وهي الآن في أمان من خطر الانقراض ثانيةً.
مميزات خيول الفريزيان وخصائصها
رغم أن معظم خيول الفريزيان ذات لون أسود غامق، إلا أن اللون ليس وحده الذي يميزها، فهي قد تكون ذات لون كستنائي أحياناً. ونادراً ما تحمل الفريزيان أي علامات بيضاء، إلا أن بعضها يحمل بقعة بيضاء صغيرة في جبهته. رقبة الفريزيان طويلة وشكلها منحنٍ، أذناه قصيرتان، ولديه كتلة عضلية وقوائم خلفية قوية وذيول منخفضة. أما أكثر ما يميز الفريزيان في الشكل فهو شعر ذيله وأعلى رقبته السميك والكثيف، والذي يكون غالباً مموجاً. كذلك يتعمد أصحاب هذه الخيول ترك بعض الشعر الطويل دون تشذيب على أدنى الساقين.
تتميز مشية الفريزيان بالأناقة والهرولة السريعة والخطوة العالية، ويعتبر نشيطاً وسهل الانقياد. يوجد نوعان من الفريزيان هي “الباروكي”، الذي يتميز ببنية أقوى، والفريزيان الكلاسيكي الرياضي وهو أسرع. تعاني نسبة قليلة من خيول الفريزيان من التقزم، حيث يكون حجم الرأس طبيعياً، لكن يكون الصدر أعرض من المعدل الطبيعي، والظهر أطول والأطراف قصيرة.
تعاني خيول الفريزيان من اضطرابات جينية عديدة، وهذا على الأغلب يعود إلى المبالغة في تخصيبها من خيول من النسل ذاته، وقد يكون هذا أحد العوامل التي تسبب لها دورة حياة أقصر تبلغ بالمعدل حوالي 16 سنة، وبمشكلة التقزم التي ذكرناها سابقاً، إضافة إلى حاجتها لنظام تغذية معقد بسبب جهازها الهضمي الحساس، كما أنها تتعرض لبعض أنواع الأمراض الجلدية، وتشكو في الكثير من الأحيان من ضعف المناعة وسرعة التأثر بظروف المعيشة الصعبة.
وبطبيعة الحال تحتاج خيول الفريزيان إلى عناية خاصة لناحية تنظيف شعر ذيولها ورقبتها الطويل والكثيف الذي يحتاج إلى الغسل بمواد خاصة وإلى التسريح بشكل منتظم، ويعمد البعض إلى ترتيب الشعر في ضفائر لتجنّب تكوّن العقد فيه. وللمحافظة على معطفها الوبري الأسود اللامع تُستخدم أنواع خاصة من المستحضرات، خاصة أن جلدها جاف نوعاً ما. كما يحرص مالكو هذه الخيول على عدم تعريضها لأشعة الشمس لوقت طويل لأن هذا قد يُبهت اللون الأسود المميز لهذه الخيول.
استخدامات خيول الفريزيان
نادراً ما تم إشراك الخيول الفررزيان في السباقات، فهي تفتقر إلى السرعة. لكن كانت أولى استخدامات هذا النوع من الخيول في المزارع لأعمال الجر ورفع الأحمال الثقيلة. ومع التقدم التكنولوجي وحلول الآلات الحديثة التي تعمل بالوقود، تقلص تدريجياً استخدامها في أعمال كهذه. وفي القرون الوسطى كانت الفريزيان الجياد المفضلة للفرسان في الحروب، خاصة أنهم كانوا يستخدمون الدروع الثقيلة التي تطلبت خيولاً قوية قادرة على حمل الفارس مع درعه وأسلحته الثقيلة. كذلك استُخدمت لجرّ عربات نقل الأشخاص والبضائع على مدى قرون، حيث تتطلب هذه العملية القوة العضلية والصبر أكثر من السرعة.
أكثر ما تُستخدم خيل الفريزيان اليوم في عروض الفروسية الفنية، والعروض البهلوانية ومسابقات الترويض نظراً لأناقاتها واستجابتها وسهولة التعامل معها. كذلك يمكن رؤيتها تجر عربات تقليدية مزينة وعربات قديمة في المهرجانات والاحتفالات. وبسبب لونها وشكلها الملفت وأناقتها استُخدمت كثيراً في صناعة الأفلام خاصة الأفلام التاريخية والمبنية على أساطير قديمة.
استنتاج الخيل الفريزيان

لا شك أنك شاهدت خيولاً سوادء ذات عضلات قوية وشعر طويل مميز في الذيل وفوق الرقبة. إنها خيول الفريزيان الأسطورية، التي يسمّيها كثيرون اللآلئ السوداء نظراً للونها ولمعانها. تأتي هذه الخيول من هولندا، أرض المراعي الخضراء الخصبة، ومسرح الحروب الطاحنة في التاريخ، بعد أن اختلط دمها بدم سلالات أخرى غيّرت قليلاً من حجمها وميزاتها، إلا أنها لم تُفقدها جاذبيتها وفرادتها. ورغم تعرضها لخطر الانقراض كفصيلة خيل نقية، حالت الجهود البشرية دون ذلك، فتمت المحافظة على ما تبقى منه، ثم جرت عمليات استيلاد هذه الخيول بأعداد كبيرة. تبلغ نسبة الخيل الفريزيان اليوم 7% من مجموع الخيول في هولندا مثلاً. ورغم أنها تفتقد إلى بعض السرعة والقدرة على التحمل لتشارك في سباقات الخيل التقليدية، إلا أنها بامتلاكها ميزات أخرى فائقة قد عوّضت هذا النقص، فبقيت مطلوبة من قبل مربّي الخيول لحاجات واستخدامات أخرى. يكفي أن تشاهد حصان فريزيان يركض بحرية ويعانق شعره الريح لتشعر بجمال هذا المخلوق الفريد.