إذا أردنا أن نتحدث عن التراث العربي، وعن الحياة في البوادي والصحاري، فإن أول صورة تخطر في بالنا هي صورة الإبل تسير في الصحراء في قوافل طويلة. لطالما كانت الإبل الحيوانات المفضلة عند العرب، والسبب في هذا واضح وجليّ. فقد احتاج سكان المناطق الصحراوية وذات المناخ القاسي إلى حيوانات تسهّل عليهم حياتهم، وتساعدهم في شؤونهم اليومية من انتقال لمسافات طويلة، وحمل للأثقال عند الترحال وفي التجارة، وكذلك لتأمين حاجاتهم الغذائية من لحم ولبن. فكانت الإبل هي المخلوقات التي وفّرت لهم كل ذلك، لذلك قاموا بتربيتها ورعايتها والاهتمام في سلالات الإبل منذ آلاف السنين. واليوم لا زالت هذه الحيوانات تلقى اهتماماً ورعاية كبيرين، خاصة تلك المخصصة للسباق. ويعدّ سباق الإبل أو الهجن من الأنشطة الرائجة جداً في بلدان كثيرة، خاصة في البلدان العربية.
سلالات الإبل المخصصة للسباق
توجد سلالات كثيرة من الإبل التي تختلف في ما بينها في الشكل والحجم ووجهة الاستخدام وغير ذلك من التفاصيل. لكن لا شك أن أكثر سلالات الابل التي تلقى الاهتمام الأكبر، وتُنفق عليها ملايين الدولارات في عصرنا الحالي هي تلك المخصصة لسباقات الهجن. فالهجن السريعة وذات القدرة على التحمل هي المطلوبة اليوم لأنها تشكل جزءاً من تجارة رابحة بملايين الدولارات. استعان المهتمون بتأصيل الإبل للسباق بالوسائل العلمية الحديثة ليقوموا باستيلاد سلالات من هذه الحيوانات تتمتع بالمزايا المطلوبة في سباق الجمال، وأهمّها السرعة والقدرة على التحمل. وبالطبع بدأ الاستيلاد بالاستعانة بسلالات الإبل المعروفة بسرعتها وتفوقها في السباقات. سوف نستعرض في ما يلي أهم هذه السلالات.

الإبل المستخدمة في السباقات تسمّى الهجن، ومفردها مطية. وهي تمتاز بقامة طويلة وقوام رشيق وخفة في الحركة، مع القدرة على الجري وعلى التحمّل وسرعة الاستجابة للمدرب. ومن أشهر سلالات الإبل المخصصة للسباق، والتي تمتاز بالرشاقة والسرعة، الهجن العمانية التي تسمى “الأصايل” وتأتي من ساحل الباطنة في عمان. ومن الهجن السريعة هناك “الحرة” التي تأتي من وسط أفريقيا، وتم تأصيلها من قبل بعض القبائل العربية. وأخيراً تأتي الإبل السودانية المعروفة أيضاً بسرعتها ورشاقتها. تخضع الهجن لتدريب كثيف يبدأ في سن صغيرة جداً. ويبلغ ثمن الهجن المخصصة للسباق، خاصة بعد أن تحقق انتصارات في السباقات، ملايين الدولارات.
تصنيف الإبل بحسب اللون
أعطى العرب لأنواع الإبل أسماء مختلفة بحسب نسلها وموطنها الأساسي وبحسب لونها. وفي ما يلي نلقي الضوء على أبرز ألوان الإبل وتسميات كل لون وخصائصه.
المجاهيم
يسمّى هذا النوع من الإبل أيضاً الإبل النجدية، وتتميز بلونها الأسود وحجمها الكبير. وهي من الأنواع الشائعة جداً في دول الخليج العربي. تمتاز هذه الإبل أيضاً بإنتاجها الوفير للحليب، وهي نادراً ما تُستخدم للركوب. ومن بعض التسميات الفرعية لهذه الإبل “الغرابية” ذات اللون الأسود القاتم، “الملحاء” ذات اللون الأسود الأقل درجةً من الغرابية، “الصهباء” وهي تحمل اللونين الأسود والبني، “الحمراء” هي ذات اللون القاتم المائل إلى الحمرة.
المغاتير
يتميز هذا النوع من الإبل بحجمه المتوسط ولونه الأبيض الناصع، ولهذا السبب يسمى أحياناً “الوضح” لأن بياضه مثل وضح النهار. ويأتي في الترتيب الثاني ضمن أكثر أنواع الإبل شيوعاً في المملكة العربية السعودية. وكان في الماضي يعتبر من أثمن الممتلكات لدى البدو والعرب الرحل.
الصفر
كما يشير اسمها، تميل ألوان هذه الإبل إلى الأصفر، وتمتاز بإنتاجها المتوسط للحليب. وهي تستعمل للركوب. وكانت تستخدم قديماً في نقل الأحمال الثقيلة، وفي السفر لمسافات بعيدة.
الشعلاء
يعطى هذا الاسم للإبل التي تمتلك وبراً على ظهرها وتمتزج ألوانه بين الأحمر والأشقر. إنتاجها من الحليب متوسط، وتتميز بسرعة الجري، لذلك فهي من الأنواع المستخدمة في سباقات الإبل.
الشقحاء
الإبل الشقحاء ذات حجم متوسط ولونها أبيض، لكن بياضها أقل درجة من الوضح. يتم المزج في الاستيلاد بين الشقحاء والمغاتير وبينها وبين الشعلاء لإنتاج إبل ذات ألوان مميزة. إنتاج الشقحاء من الحليب متوسط وسرعة جريها متوسطة أيضاً.
سباقات الإبل في دول الخليج

تهتم الدول العربية بسباقات الهجن، لاسيما دول الخليج من المملكة العربية السعودية إلى الامارات العربية المتحدة والكويت والبحرين ودولة قطر وسلطنة عمان. وتوجد في هذه الدول اتحادات ولجان لتنظيم هذه الأحداث وكل ما يتعلق بالهجن، ومنها “الاتحاد السعودي للهجن”، “اتحاد سباقات الهجن في الإمارات” ، “نادي الكويت لسباقات الهجن”، “اللجنة القطرية المنظمة لسباقات الهجن” و”الاتحاد العماني لسباقات الهجن”. وتنظّم هذه الدول سباقات كثيرة منها ما هو محلّي على صعيد المناطق والدولة، ومنها ما هو دولي يشارك فيها هجانة من دول عدة. وتنقل القنوات التلفزيونية هذه الأحداث الرياضية مباشرة على الهواء.
دخلت التكنولوجيا الحديثة في هذه الرياضة مع المحافظة على التقاليد الأساسية الخاصة بها، فأصبحت تقنيات التصوير المتطورة للسباقات وطريقة احتساب التوقيت على خطّي الانطلاق والوصول من التجهيزات الأساسية والضرورية، إضافة إلى اعتماد “الروبوت” ليكون السائس الراكب على ظهر الهجن، خاصة بعد منع تشغيل الأطفال الصغار في هذه المهمة في جميع دول الخليج. فهذا الروبوت لا يزيد وزنه عن 4 كلغ، ويتم التحكم به عن بعد بواسطة جهاز، وهو يسمح لأصحاب الإبل والمدربين بتوجيهها خلال السباق عن طريق الأجهزة اللاسلكية، بالإضافة إلى إمكانية التحكم بالسوط الموصول بالروبوت لتحفيز الإبل خلال جريها أيضاً. وكي يبقى المدربون على اتصال قريب بالنظر مع الإبل خلال السباق، تم استحداث طرق للسيارات بموازاة طريق المضمار، ما يسمح للمدربين أيضاً بمعاينة إبلهم عن قرب على طول مسار السباق.
كيفية المراهنة على سباقات الإبل
تعتبر جميع أشكال المراهنات غير قانونية وغير شرعية في معظم الدول العربية، خاصة دول الخليج. لذلك لا يمكن المراهنة على سباقات الإبل في أكثر مضامير السباق في هذه الدول. لكن توجد المئات من مواقع المراهنة عبر الإنترنت التي تتيح إمكانية المراهنة على سباقات الهجن حتى لو كانت تنظم في دولة عربية. يمكنك أن تبحث على شبكة الإنترنت عن موقع مراهنات رياضية اون لاين، ثم تقوم بتسجيل حساب لديه وبإيداع بعض المال. وبعد ذلك يمكنك الاطلاع على الأحداث الرياضية التي يتيح الموقع المراهنة عليها، فتختار منها سباق الهجن الذي تريده، وتضع رهانك على المطية التي تفضلها والتي تعتقد أنها ستكون الفائزة.
الخلاصة

رغم الثروة النفطية والتكنولوجية والحضارية التي تعيشها معظم دول الخليج العربي، إلا أنها حافظت على الكثير من التقاليد التي ورثتها عن الأجيال الماضية، والتي تمثل التراث الأصيل والمجيد. ومن هذه التقاليد التي استمرت رغم كل تلك الظروف سباقات الإبل. لا شك أن التكنولوجيا الحديثة قد دخلت إلى هذه السباقات من جوانب عدة، إلا أنها احتفظت بأصالتها وحافظت على العناوين العريضة لهذه الرياضة التراثية المهمة. وستبقى سباقات الهجن بجهود الإدارات الحكيمة لتلك الدول وبجهود القيمين عليها مزدهرة، وتشكل صلة وصل بين الأجيال السابقة والأجيال القادمة، وتراثاً نعتز به ونفتخر.