الجمال رمز أساسي من التراث في الدولة و مكانة الابل في الإمارات عريقة كما في العديد من دول الخليج العربي. فقد أثبتت الحفريات والاكتشافات الأركيولوجية في بعض مناطق الإمارات وجود الإبل في هذه الأرض منذ أكثر من 5000 سنة. إضافة إلى ذلك فإن التراث الإسلامي أعطى للإبل مكانة خاصة حيث كانت وسيلة النقل الأساسية للمسلمين في رحلاتهم وفي قوافل تجارتهم، ومصدراً أساسياً للغذاء، وجاء ذكرها في القرآن الكريم ليزيد من مكانتها وأهميتها عند العرب والمسلمين، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة بالخصوص.
الاهتمام الرسمي بالإبل في الإمارات

انطلاقاً من هذه الحقائق، كان اهتمام دول الإمارات العربية المتحدة بالإبل مميزاً ومتزايداً، فقد أولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عناية خاصة بالإبل كونها جزءاً لا يتجزأ من تاريخ وحضارة دولة الإمارات. ورويَت عنه أحاديث كثيرة تجسد تقديره لهذه المخلوقات التي قدمت للأسلاف خدمات جليلة عندما اعتمدوا عليها في مختلف نواحي حياتهم. وقد أثبت المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان القول بالفعل، فعمل جاهداً على تعزيز رعاية الإبل وتربيتها وإشراكها في السباقات، والاهتمام بتحسين سلالاتها لتتلاءم مع استخداماتها في زماننا الحالي، خاصة في السباقات. وهكذا وبفضل رعايته تم بناء وتحديث ميادين سباق الهجن في الإمارات، أصبحت هذه الرياضة من الرياضات الأساسية التي تتجه إليها أنظار العالم.
ولم تبخل دولة الإمارات بأي جهد لتعزيز رياضة سباقات الهجن، ونقلتها من مجرد تقليد يمارس بمعرفة ومهارات تم توارثها عن الأجداد إلى ممارسة علمية منهجية تأخذ بالاعتبار جميع العناصر الحديثة لهذه الرياضة التراثية. فدخلت التقنيات العلمية على عملية تحسين نسل الإبل المخصصة للسباقات، وكيفية اختيار الهجن وتدريبها وتغذيتها. وكان لهذا الاهتمام أثره الإيجابي من نواحٍ عديدة، فقد زاد الاهتمام العالمي بسباقات الهجن، وأصبحت تربية الهجن وتدريبها وإعدادها للسباقات من الأعمال التي تعود على الاقتصاد بالملايين نتيجة ارتفاع ثمن الإبل الأصيلة، ويتم تنظيم السباقات التي تخصص لها جوائز ضخمة وميادين واسعة وحديثة.
الإمارات رائدة سباقات الإبل
لا شك أن رياضة سباقات الهجن ليست جديدة، لكن الإمارات كانت أول دولة في الزمن الحالي تولي هذه الرياضة الاهتمام الفعلي من جميع النواحي. فقد قامت أولاً بإنشاء أكثر من خمسة عشر ميداناً مخصصة لسباقات الهجن في محيط بعض المدن، وهي مجهزة بأفضل الوسائل التقنية الحديثة، وتضمّ مرافق لتدريب الإبل ورعايتها طبياً. كما تنظم في هذه المضامير سباقات متنوعة بشكل منتظم. ومن هذه الميادين والمضامير الوثبة، سويحان، مدينة زايد، غياثي، ليوا، السلع، السمحة، الجيب، غشابة، أبو سمرة، الرقيعات، سيح، رماح، الخزن وغيرها الكثير. ومن أهم وأكبر مضامير سباقات الإبل في الإمارات مضمار المرموم بجوار قرية المرموم التراثية في محيط دبي.
تأسيس اتحاد سباقات الهجن

بغية تنظيم كل ما يتعلق بالهجن المخصصة للسباقات، وبهدف تعزيز مكانة الابل في الإمارات، وبتوجيه من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتأسيس اتحاد سباقات الهجن بشكل رسمي في 25 أكتوبر 1992 الذي تولى رئاسته في ذلك الوقت سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان. وتولى الاتحاد منذ تأسيسه وضع معايير أساسية من شأنها أن تحافظ على سلالات الهجن الأصيلة الموجودة، وتنظيم عملية تربيتها وتدريبها وإشراكها في السباقات المحلية والدولية. إضافة إلى الجهد المحلي، فقد بذل الاتحاد منذ تأسيسه جهوداً كبيرة لنشر ثقافة سباقات الهجن في جميع أنحاء العالم، لجذب السواح والمهتمين للمجيء والتعرف إلى هذه الرياضة التراثية العريقة.
ويعِد الرئيس الحالي للاتحاد سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم بتحقيق المزيد من الأهداف المتعلقة بسباقات الهجن، ومنها تطوير هذه الرياضة ليس فقط في دولة الإمارات، بل في العالم بأسره، وتحويل مضمار المرموم الذكي لسباقات الهجن إلى وجهة عالمية ليكون مناسبة سنوية تجمع أفضل الهجن الأصيلة في العالم.
نادي دبي لسباقات الهجن
وفي إمارة دبي، وبرعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تم تأسيس نادي دبي لسباقات الهجن، وهي مؤسسة رائدة في الحفاظ على تراث وثقافة سباقات الهجن العربية على جميع المستويات، وتسعى لأن تكون دبي بما تمثله من استقطاب سياحي واقتصادي محوراً لهذه الرياضة المميزة. إضافة إلى جعل هذه الرياضة الشعبية رائجة بين الشباب، وتحديثها وتطويرها بالأساليب التكنولوجية الحديثة.
دور مركز الأبحاث البيطري للهجن
وبسبب مكان
ة الابل في الإمارات، والحرص على أن تنال العناية الصحية والبيطرية اللازمة، تم إنشاء مركز الأبحاث البيطري المخصص للهجن في منطقة الحيلية في إمارة أبو ظبي. يضم هذا المركز فرقاً بيطرية متخصصة للاهتمام باستيلاد الجمال الأصيلة المستخدمة في السباقات وتربيتها، وإجراء الفحوصات الدورية لها بأحدث الوسائل العلمية. ويتمثل أحد أدوار المركز أيضاً في عملية تحسين نسل الجمال المستخدمة لأغراض أخرى لإنتاج اللحوم والحليب، وذلك باستخدام تقنيات نقل الأجنة. يُذكر أن هذا المركز هو المكان الوحيد في العالم الذي يقوم بعمليات ناجحة كهذه على الإبل.
الخلاصة

إن الحفاظ على تراث الماضي وتقاليد الأجداد هو من شيَم العقلاء والأوفياء. لهذا حرصت دولة الإمارات العربية على مدى أجيال من الحكام والشيوخ على المحافظة على الرموز الأصيلة للبلاد، ومنها تربية الإبل والاهتمام بها لجميع الأغراض وخاصة في سباقات الهجن. ولا يخفى أن للإبل فوائد اقتصادية تساهم في ازدهار البلاد. ورغم التقدم التكنولوجي، واختلاف أوجه استخدام الابل بين الماضي والحاضر، إلا أن مكانة الابل في الإمارات ظلت كبيرة في نفوس الشعب الإماراتي وحكام الدولة. لذلك نرى اهتماماً متزايداً بها على جميع الأصعدة حتى لا تندثر هذه التقاليد وتتغير، ولا يصيبها النسيان أبداً.